تحليل مركز الديمقراطية وحقوق الإنسان في السعودية – واشنطن
لقد حظيت قضية الكاتب السعودي حمزة كشغري بتغطية إعلامية واسعة وتمت مناقشتها في العديد من المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي وتناولها عدد من كتاب الأعمدة الذين تطرق غالبيتهم إلى توبة حمزة وتراجعاته والاعتذار الذي قدمه ولكن الملاحظ أن معظم تلك التقارير والكتابات تجنبت تناول الأسباب الحقيقية لملاحقة السلطات السعودية لكشغري واعتقاله والتأثيرات المستقبلية المترتبة على ذلك.
إن من المفيد عقد مقارنة سريعة بين ردة فعل السلطات السعودية على ما كتبه كشغري وبين ردة فعلها في مواقف مشابهة قبل التطرق للاسباب الحقيقية لمطاردته واعتقاله. ففي العام الماضي وصف البروفسور طارق الحبيب النبي محمد بأنه كان ناقصا في شخصه بسبب فقده والدته في سن مبكرة ولذلك تزوج السيدة خديجة التي كانت تكبره بـ 15 عاما. وقبل عامين طالب الشيخ يوسف الأحمد بهدم المسجد الحرام وإعادة بنائه من جديد، فماذا كان رد السلطات السعودية على الموقفين؟ لا شيء .. وفيما اعتذر طارق الحبيب بعد أيام عن ما قاله، لم يعتذر الشيخ يوسف الأحمد حتى اليوم.
وبناء على المقارنة السابقة فإن من الواضح أن ما كتبه حمزة ليس السبب الحقيقي لملاحقته واعتقاله، فلو كان ما كتبه مسيء للنبي، فإن في وصف النبي بالناقص إساءة أكبر.
إن الأسباب الحقيقية لمطاردة السلطات السعودية لحمزة واعتقاله على الرغم من توبته وتراجعه عن ما قاله تتمثل في الآتي:
1- لأن حمزة كشغري يمثل تيارا انفتاحيا تقدميا يطالب بالحق في حرية التعبير والعدالة الاجتماعية ويدافع عن حقوق المرأة ترى فيه السلطات الدينية والسياسية تهديدا لقبضتها الكاملة على الحكم.
2- توجيه إنذار وتهديد لجميع المواطنين السعوديين في كل مكان مفاده أن بإمكان السلطات الوصول إليهم واعتقالهم ومعاقبتهم على أفعالهم وموافقهم وآرائهم.
3- للإيحاء للمسلمين حول العالم بأن النظام السعودي هو الوحيد الذي يدافع عن قدسية الإسلام خاصة بعد وصول التنظيمات الإسلامية في كل من مصر وتونس إلى الحكم لخشية السلطات من أن تخطف تلك الحكومات الإسلامية المنتخبة ديمقراطيا الضوء من النظام السعودي في الدفاع عن المقدسات الإسلامية.
4- وهو الهدف الأهم: تجريم كل من يُتهم بالإساءة إلى الإسلام على مستوى عالمي وهذا ما تسعى إليه السعودية من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي التي تتبنى مشروع القرار رقم 18/16 وتصر على تمريره في الجعمية العامة للأمم المتحدة لتجريم كل من يُتهم بالإساءة للأديان.
وبالإضافة إلى تلك الأسباب فإن اعتقال كشغري يعتبر تطبيقا للأوامر التي أصدرها الملك عبد الله العام الماضي ضد كل من ينتقد رجال الدين وولاة الأمر المقصود بهم العائلة المالكة، والمدهش في هذا القرار أنه يمنح الحاكم قداسة مساوية لقداسة الدين.
إن سياسة السلطات السعودية المؤيدة للتيار المتطرف والمحاربة لكل ما من شأنه إرساء الحقوق والحريات والعدالة الإجتماعية ومحاربة الفساد سياسة ستثبت الأيام أنها فاشلة ودليل على انفصال النظام عن الواقع بتعمده تجاهل حقيقة ارتفاع نسبة الوعي عند السعوديين الذين لا تختلف أوضاعهم كثيرا عن أوضاع الدول التي اندلعت فيها الثورات ضد الظلم والفساد والاستبداد.
1 comment:
مقال رائع.. شكراً وبانتظار المزيد
Post a Comment